احتفالية ندوة الوفاء بمرور خمسون عاماً

 رعى معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجه مساء الأربعاء 23محرم 1332هـ، الحفل الذي أقامته ندوة الرفاعي «ندوة الوفاء» بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشائها من قبل الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- وذلك بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض . وقد بدئ الحفل الخطابي بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ألقى عميد ندوة الوفاء الشيخ أحمد بن محمد باجنيد كلمة قال فيها: «إن من فضل الله علي أن يسر لي ارتياد ندوة الشيخ عبد العزيز الرفاعي، ولقد كان شوقي لها يدفعني إلى الاجتهاد لحضورها».


 وأضاف: إن كل من كان يرتاد ندوة الشيخ عبدالعزيز الرفاعي يشعر بأنه ضيف الشرف لحسن استقبال الشيخ وبشاشة وجهه، وكريم خلقه، وكم كنا نأسف ونحزن على انقطاع الندوة عند سفره، خاصة مع كثرة سفره في آخر سنتين قبل وفاته. وتابع قائلا: «إن هذه الندوة المباركة قد أضافت لي الكثير، فهي السبب في تعرفي على كوكبة كبيرة من أهل الفضل والعلم». وختم باجنيد كلمته بالشكر لكافة رواد الندوة ومن حاضر فيها، وخص بالشكر معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجه على رعايته الكريمة لهذا الحفل وهو أحد رواد ندوة الرفاعي ومن الأوفياء لها.


بعد ذلك ألقيت كلمة أسرة الرفاعي، ألقاها نيابة عنهم المهندس علاء بن عبد العزيز الرفاعي استعرض فيها بدايات الندوة في مكة المكرمة، ثم انتقالها إلى مدينة الرياض في دار عبدالعزيز الرفاعي عام 1382هـ، وانعقادها في أخريات أيام الرفاعي في الرياض ومكة وإسبانيا، وقال: إنه كان يتردد عليه العديد من الأدباء والمثقفين، وقلما كان يزور الرياض صاحب قلم معروف في العالم العربي ولا يحضر ندوة الرفاعي.


 ثم ألقى الدكتور عائض الردادي عضو مجلس الشورى، ووكيل وزارة الإعلام سابقا؛ كلمة استعرض فيها مسيرة الندوة الثقافية، فقال: إنها تعد نموذجاً لمجالس الأدب والثقافة في المملكة العربية السعودية. وبين أن الندوة التي امتدت مسيرتها خمسين عاما أضافت الكثير للحراك الثقافي وأسهمت في تنوعه، وكان لها بصمة واضحة على كل من شارك فيها.


بعد ذلك ألقى الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ورئيس تحرير مجلة الأدب الإسلامي؛ كلمة موجزة استهلها بموقف نبيل من معالي وزير الثقافة والإعلام، ثم تحدث عن الندوة ومنهجها، وجمع صفات الرفاعي الكريمة بكلمة واحدة سماها مفتاح شخصيته، وهي النُّبْلُ. وألقى بعد ذلك قصيدة طويلة بعنوان: تحية الندوة، ثم قرأ قصيدة للشاعر عصام الغزالي بعنوان تحية لندوة الرفاعي، جاء فيها:


هيّا بنا.. قد أشرقتْ داري ودارُك في (الملَزّْ)


حسناءُ ضاعفَ مهرَها (عبدُ العزيزِ)، ولا يُبَزّْ


لبستْ جميلَ ثيابِها للعرسِ من نورٍ وخَزّْ


وتعطرتْ بالفكرِ، والآراءُ عطرٌ مستفَزّْ


(عمّارُ) يسقي وِرْدَها، وضيوفُها نحلٌ وقَزّْ


طربتْ وهزَّتْ رأسَها، والشِّعرُ مفتونٌ فهَزّْ


والشِّعرُ معتَزٌّ بها، و(البيتُ) بالأبياتِ عَزّْ


فعارضها الدكتور عبد القدوس قائلا:


 قالوا: هواكَ؟ فقلتُ: في حيِّ الملَزّْ        دارٌ ترى فيها الأديبَ هوَ الأعَزّْ


كالنحلةِ المعطاءِ آتتْ أُكْلَها               رُطَباً تساقَطُ جنيُها إمّا تُهَزّْ


الشِّعرُ مفتونٌ بأختِ عكاظِهِ               والفكرُ مجلوٌّ يُصابُ بهِ المَحَزّْ


وضرائرُ الحسناءِ قد يحسدْنَها             لكنَّها أبداً تَبُزُّ ولا تُبَزّْ


يتسابقُ الأدباءُ نحوَ نديِّها                 من كرخِ بغدادَ لقاهرةِ المُعِزّْ


والمجدُ مافتئتْ تصونُ عهودَهُ             ولواءَهُ المعقودَ منْ غارٍ وخَزّْ


فإذا سألتَ عنِ العُلا وملاذِها              فالندوةُ الغرّاءُ في حيِّ المَلَزّْ 


(وكانت الندوة تعقد في دار عبد العزيز الرفاعي بحي الملز)


       ثم ألقى الأستاذ عبد الرحمن بن فيصل المعمر كلمة الرواد الأوائل للندوة، بين فيها أن الشيخ عبد العزيز الرفاعي كانت لديه أحلام ومشاريع كثيرة حول الشأن الثقافي. وتحدث عن إنشاء مشروع المكتبة الصغيرة، ودار ثقيف للنشر التي أصدرت المكتبة الصغيرة، ومجلة عالم الكتب.


عقب ذلك ألقى الشيخ السيد عمر بن حامد الجيلاني الذي حضر من مكة المكرمة لحضور المناسبة؛ كلمة محاضري الندوة، عبر فيها عن عظيم البهجة بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها، وأشاد بمؤسس الندوة الأستاذ الرفاعي، وبالشيخ أحمد باجنيد عميدة ندوة الوفاء الذي يقوم بهذا الاحتفال، وبدعوة الندوة له لإلقاء محاضرة في كل دورة من دوراتها السنوية.


       ثم ألقى الدكتور حيدر الغدير قصيدة شعرية كونه أحد الرواد الأوائل، أشاد فيها بصفة الوفاء، وبالأوفياء الذين وفوا للرجل النبيل عبد العزيز الرفاعي بهذه المناسبة، جاء في مطلعها:


حيِّ الوفاءَ وإخواناً ألبّاءَ           همُ الوفيُّون أمواتاً وأحياءَ


همُ العرانينُ حازوا كلَّ مكرُمةٍ      ولستَ تلقى لهمْ في الناسِ أكفاءَ


إنَّ الوفاءَ كانَ للدُّنيا ذؤابَتَها       فانظُرْهُ فيها تراهُ الصبحَ أضواءَ


والنُّبْلَ مفخرةً والجودَ ميسرةً       والهديَ تبصرةً والمسكَ أشذاءَ


       وألقى بعد ذلك الشاعر حسين بن محمد باجنيد قصيدة شعرية بعنوان: خمسون،   بدأها بقوله:


يمضي الزمان وتكبُرُ الأحْلامُ          ويُطِلُّ منْ سِفرِ الخُلودِ عِظامُ       


كَتَبوا لهمْ بينَ الضُّلوعِ صحائفاً         بيضاً تُضيءُ بِنورها الأيّامُ    


 


ثم تحدث فيها عن مناقب الأستاذ عبد العزيزالرفاعي، فقال:


غابَ العميدُ ولم يجِفَّ يراعُهُ            فتزاحمتْ في نعيِهِ الأقلامُ  


قالوا: كريمٌ, قلتُ: بعضُ صِفاتِهِ         طلْقُ المُحَيَّا, قُلتُ: وهُوَ غُلامُ


وتراهُ محزوناً يُكابد همَّهُ               فإذا أتاك فضاحِكٌ بسّامُ


فارفِقْ بِهِ يامن أتيتَ لِحاجَةٍ              فلكم يجودُ وليس ثَمَّ طعامُ!


 


وأتبع الشاعر ذلك بمناقب الشيخ أحمد باجنيد، فقال يصف موقفه حين استأذن رواد الندوة في استضافتها بمنزله بعد وفاة الرفاعي:


غابَ العميدُ فمن يحُلُّ مكانَهُ            من يحمِلُ الأعباءَ وهي جِسامُ


فيقومُ من بينِ الصفوفِ بِعزمَةٍ           شيخٌ لَهُ في الحاضِرينَ مقامُ


نادى بِصَوتٍ خافِتٍ مُتحَشْرجٍ           أودتْ بِهِ الأعوامُ والأسقامُ


أن فائذَنوا أن أستضيفَ نديَّكم           وأنا وأبنـائي لكُمْ خُدَّامُ


أنا لستُ من أهلِ الثقافَةِ مثلَكُمْ          لكنَّ لي ولَعٌ بِها وهُيامُ


فتبسَّمَ الصحبُ الكِرامُ وسرّهُمْ          أنْ ثَمّ بين الحاضِرينَ إمامُ


هوَ أحمدٌ، من ليس يعرفُ أحمداً!؟      كُلُّ الجزيرةِ صحبُهُ والشامُ


شيخٌ لَهُ في النائباتِ عزائمٌ              وعليهِ من حُلَلِ الوفاءِ وِسامُ


 


ثم أشاد برعاية وزير الثقافة والإعلام هذه الاحتفالية، فقال:


جاءَ الوزيرُ ونخبةٌ من صَحْبِهِ          فأحاطَ بالركبِ الكريمِ كرامُ


هو للثقافةِ رأسُها وسنامُها              ولكلِ شيءٍ في الحياةِ سنامُ


ما الشعرُ إلا بارقٌ من طيفِهِ            ولهُ بميدان السياسةِ هامُ


قد كان صبّاً بالثقافةِ يافعاً              واستوطنت في رأسهِ أحلامُ


واليومَ جاءَ ومشعلٌ في كفِّهِ            فتساقطتْ عن دربِهِ أوهامُ


حسبُ الثقافةِ أن يقودَ زمامَها          برٌّ بها منذ الصِّبا عزَّامُ


 


وأحسن ختامها مخاطباً الرفاعي، قائلا:


عبدَ العزيز أيا مواكب عِزّةٍ           شرُفت بحملِ لوائها الأعوامُ


أعيتكَ من طولِ المسيرِ شدائدٌ        ودهاكَ في وسطِ الزحامِ سقامُ


من حاز نفساً مثلَ نفسِكَ حُرَّةً         هيهات أن تصفو لهُ الأيامُ!


فأرحْ جوادكَ قد بلغت بِهِ مدىً       هو للجيادِ الصَّافِناتِ مرامُ


واهنأ بجَنتِكَ التي أُورِثْتَها             يغشاكَ من بردِ النعيمِ سلامُ


 


ثم ألقى معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجه كلمة رحب فيها بالمشاركين في هذا الاحتفاء. وقال: «تحتم علي هذه الفرصة الطيبة للمشاركة معكم في الاحتفال بمرور خمسين عاما على تأسيس «ندوة الرفاعي»، هذه الندوة التي تعد من معالم الحياة الأدبية والثقافية في المملكة العربية السعودية، وهي فرصة مباركة لكي نستعيد معا سيرة رجل أجمع على نبله وسمو أخلاقه كل من اتصل به بسبب، وهو الشاعر والأديب والمؤرخ والمحقق الشيخ عبدالعزيز بن أحمد الرفاعي -رحمه الله».


وأشار معالي الدكتور خوجه إلى أن هذه الندوة الأدبية والثقافية كانت بالنسبة لأجيال من الأدباء والمثقفين عاملا مهما في تكوينهم الثقافي والفكري، ولا غرابة في ذلك، فهذه الندوة أسست لجملة من القيم والمعاني الأدبية التي شاعت في طول البلاد العربية وعرضها، وكانت، بلا مبالغة، مجمعا علميا ولغويا، وناديا شعريا، حط في ركابه ألمع رموز الثقافة العربية العريقة في العصر الحديث، وأصبح روادها حفيين بها، مستمسكين بها، وكأنها ميراث ينبغي الحفاظ عليه ورعايته.


       وقال معالي وزير الثقافة والإعلام: «ما بين عام 1382هـ، إلى عامنا هذا 1432هـ، خمسون عاماً من العمل الثقافي الجاد الذي كان يحلم به أديبنا الكبير عبدالعزيز الرفاعي - رحمه الله - حين أسس هذه الندوة الثقافية العظيمة، وأحسب أنه يشكركم على رعايتكم الكريمة لهذه الندوة التي آمل لها الاستمرار من بعده، فها هي «ندوة الرفاعي» تشمخ في سماء الرياض بكم وبأعلام المثقفين السعوديين والعرب، وها نحن، بعد ثمانية عشر عاما من وفاة مؤسس هذه الندوة عام 1414هـ، نؤكد استمرارها ونماءها كما أراد لها -رحمه الله-».


وأشار معاليه إلى أن إصرار أصدقاء الشيخ عبدالعزيز الرفاعي على استمرار هذه الندوة والاحتفاء بها، إنما هو احتفاء بالمعاني العظيمة التي دارت عليها طوال عقود من الزمان، ويكفي أنها في خمسين عاما، استضافت جمهرة محترمة من أبرز العلماء والمثقفين العرب، وكان دستورها العلمي والثقافي أن يكون الحديث تلقائيا، قد يبدأ بقصيدة، أو رأي في مقالة أو كتاب، ثم يقوى النقاش ويصل إلى ذرا من العلم والمعرفة التي عز نظيرها في كثير من الأمكنة.


وفي ختام الحفل سلم معالي الدكتور عبد العزيز خوجه دروع التكريم للمهندس علاء الرفاعي (عن أسرة الرفاعي). وللدكتور عبد القدوس أبو صالح لإسهامه الكبير في مسيرة الندوة، وللدكتور عائض الردادي لعنايته بتاريخ الندوة وبشعر الرفاعي، وللشيخ أحمد محمد باجنيد لاحتضانه ندوة الرفاعي الذي كان سببا في استمرارها بتوفيق الله سبحانه. كما تسلم معاليه درعاً تذكارياً بهذه المناسبة من الشيخ أحمد بن محمد باجنيد عميد ندوة الوفاء . وحضر الحفل جمع من الأدباء والمثقفين والمهتمين، وعدد من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، والمرئية.


وكان عريف الحفل الإعلامي المعروف المذيع بإذاعة الرياض سابقا الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.


وعلى هامش الندوة تم توزيع الطبعة الثانية من كتاب ندوة الرفاعي، من تأليف د.عائض الردادي، الذي أرخ فيه للندوة، وأسهم أيضا في جمع الأعمال الشعرية الكاملة للرفاعي وتحقيقها، وقد صدر في ديوان كبير عن دار الرفاعي للطباعة والنشر بالرياض.


وتم توزيع العدد (54) من مجلة الأدب الإسلامي الخاص بعبد العزيز الرفاعي، الذي أصدرته رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهو عدد توثيقي لجوانب أدبية متعددة من حياة الرفاعي، وشخصيته، وسيرته الذاتية.


المصدر رابطة الادب الاسلامي

http://www.adabislami.org/news/152


التصنيفات

ذات صلة

التعليقات

أضف تعليق