مستقبل العلم والتنمية

مستقبل العلم والتنمية
مستقبل العلم والتنمية
أقامت ندوة (الوفاء) الثقافية في الرياض محاضرة بعنوان : ( مستقبل العلم والتنمية)
ألقاها الدكتور يحيى أبو الخير الأستاذ بجامعة الملك سعود، وذلك مساء الأربعاء 15/5/1437هـ، وأدار اللقاء الدكتور/ خضر الشيباني، وحضرها كوكبة من المفكرين والمثقفين والإعلاميين وحشد من متابعي الندوة وروادها.
مستقبل العلم والتنمية
أ.د. يحيى بن محمد شيخ أبوالخير عضو المجلس الاستشارى العالمى بجامعة الملك سعود المستشار العلمى بمعهد الامير سلطان للمياه والبيئة والصحراء
المقدمة:
لانعنى بلفظة العلم هنا حاملة لمدلولات(أل) التعريف الواسع أو الشامل. ولكن نعنى من مدلولات هذه الأداة العلم التجريبى البحت الفيزيو بيو كيميائى الذى يبحث فى خواص المادة والعلاقة بين وحداتها، والعلم الكونى والرياضى المبنى على الفرض والإشتقاق، والطب وهندسة التقنية الحيوية الوراثية والجينوم البشرى وما شابه ذلك من العلوم. إن مسارهذا العلم مسار ديناميكي حركي غير ثابت يتغير وفقا لتغير منظور العلم والتقدم المعرفى للحياة والكون والإنسان وطرائق البحث وأساليبه وأدواته . فإذا تغير المنظورالمعرفى للعلم تتغير تبعا له الفروض والنظريات والنظم والبرامج بل والسبل البحثية والطرائق العملية ونماذج إعمال العقل التفكيرية والفكرية وأصول التنمية المجتمعية ومصادرها وطرائقها وأنماطها. هذا يعنى أن العلم أى علم لايهب فى كل الأحوال المعطيات التى تناسب كل الأزمان أو الشروحات غير القابلة للتغيير والتبديل، وإنما يهب فى أغلب الأحوال المعطيات الوقتية التى تأبى الجمود وتترقب المستقبل بحذر وتتحفزلاستقبال التغيرالمحتوم. فالحقيقة أن ما تقدمه العلوم الطبيعة والانسانية على حد سواء ما هو إلاّ اجتهاد مرهون بحالة هذا العلم وبمنظوره المعرفى السائد وبالتحولات التى تفرضها ظروف التغير لأطره الفكرية في زمان ما. فما نعرفه اليوم عن أى علم من العلوم لن يكون أخر ما ستعرفه البشرية عنه، ولن تكون رؤيتة اليوم لظواهر الحياة والطبيعة والكون والإنسان هي الرؤية نفسها في المستقبل.وكذلك لن تكون البراهين التى صُدّقت بها نظرياته فى الماضى ربما صحيحة غدا وبخاصة بعد أن اقتنع غالبية المشتغلين بالعلوم وعلم الطبيعة على وجه الخصوص منها بضرورة تبديل براهينهم على صدق نظرية ما بمبدأ تكذيبهم لها كي تكسب النظرية حرية التطبيق التى حرمت منها أمدا طويلا بسبب قيود البراهين التى فرضها منظور الماضي لإثبات صدقها. وهكذا سمح مفكروا التنظير لعدد من النظريات العلمية بدخول ساحة العمل التي ما كان من الممكن لها أن تدخلها لولم يستبدل منظور البرهان المتبع لإثبات صدق النظريات بمنظور تكذيبها. ومن المؤكد أن المنظور الذى يعتمد على مبدأ تكذيب النظرية الذي أورده بوبر فى كتابه "منطق الكشف العلمى" الذى غيّر وجه تاريخ الفكر والعمل التنظيرى لن يكون هو أخر منظور أيضا لاعتماد صدق النظريات. ولهذا فإن النظريات التى عمل علماء الطبيعة، على سبيل المثال لا الحصر، على صياغتها ووضعوا لها أسس فلسفتها وتفانوا من اجلها سوف تطوى كطي السجل للكتب أمام ناظريهم حال تناقضها مع الواقع أو ثبوت عجزها عن تفسيرالظواهر التى من أجلها صيغت. وسوف تستبدل تبعا لذلك صيغ هذه النظريات بما سواها من الصيغ الأنسب للتفسيروالأصلح للمنظور المعرفى لذلك الحين وتمثيل الواقع المبحوث.هذا يعني أن البني النظرية والتطبيقية للعلم ليست وقتية وغير مطلقة فحسب بل إنتقائية أيضا ونسبية وأحيانا مقيدة بكل تأكيد.إضافة إلى أنها لا تعطي أكمل تمثيل لما يكون عليه الواقع المبحوث ناهيك عما يجب أن يكون عليه هذا الواقع. فلقد بلغ معدل التغير المستمر في العلم درجة بحيث إذا ظنت البشرية أنها أتقنت فهم شئ منه اليوم يغدوا عاجلا أمرا يعفو عليه الزمن وتطويه صحائف المكان. ولهذا كان التاريخ دائما وسيظل كذلك مجموعة متصلة من الأحداث ذات المغزي الذي أصطلح البشرعلى تسميته ب "عالم اليوم". هذا العالم المتقلب الأحوال الذى قضت فطرة الله تعالى على أن يتكون زمانيا من الماضي و الحاضر والمستقبل يعد كائنا ديناميكيا مزاجي الطبع تلعب ظروف حاضره المتأثر بماضيه دورا فاعلا فى تقرير مصير مستقبله بإذن الله. ولاشك أن فطرة الله عزوجل قد أقتضت أيضا أن يصبح مستقبل هذا العالم ماضيا سحيقا غابرا مرة اخرى عبر ومضة خافتة من الحاضر الذى تتحكم فيه كغيره من عناصر الزمان الأخرى دورة متجددة الطبائع لا يهدأ لها بال حتى تثقل كاهل من عايشها بالذكريات التى تذروها رياح النسيان خارج أفق عقله الجمعى الذى ما فتئ يعبأ بها ويرعاها. إن المزاج المفاهيمي للمنظور العلمي المتألق بالتجدد والتغير والتحول لجدير بأن تستقصي مفاهيمه وترصد تقلباته وتستقرأ تحولاته ضمن الإطار المعرفي لتاريخ فكرعلم بعينه وواقع فكر ذلك العلم والمستوى التقني والتنموي الذى تفرزه الثقافة العلمية التى تنتمى لتلك المرحلة من العلم في التاريخ.
ومما يجدر ذكره هنا أن الاطار المرجعى للعلوم والتقنية يزخر بعدد من أكثر الكتب مبيعا فى العالم، ونخبة من الابحاث والمقالات الاكاديمية الجادة،وطيف من الفيديوهات والمقاطع الفيلمية العلمية الأوسع إنتشارا فى وسائل التواصل الاجتماعى ، ومجموعة من المؤتمرات وورش العمل والندوات المحلية والاقليمية والعالمية المتخصصة الرائدة التى تؤكد جميعها على التغيرات التى طرأت وتطرأ على المنظور المعرفى السائد للعلم وترصد توجهاته المستقبليه وتقنياته والثقافة التى تنتمى إلى مستقبل ذلك العلم. ومن أولويات هذا الإطار المرجعى رصد الطبيعة الفكرية للحدث المعرفى المتوقع وتحليل خصائص عناصره واتجاهاته النظرية والتطبيقية المستقبلية وأنماط المعارف والثقافات التى تتولد عنه ومعدلات التنمية التى يفرزها ذلك المستقبل. ويجمع معظم هذه الكتب والمقالات والمنشورات ذات العلاقة والمؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة قاسم مشترك يعنى بإبراز الثقافة العلمية المصاحبة للعلم وتراكيب بنيويتها ودينامكية تأثيرها المستقبلى سلبا وإيجابا على مسار التنمية وعلى أنماط التفسيرات العلمية المتوقعة للحياة والكون والسلوك الإنسانى. كما يعنى هذا الإطار بصناعة ثقافة المحاكاة وسناريوهات استراتيجيات استثمار الموارد وتنميتها التنمية الشاملة التى تكفل لقطاعات الحياة وأ سواق اقتصاديات مجتمع المعرفة وعلومه وثقافاتة وتقنياتة موقعا مميزا على خارطة مستقبل البشر ومعالم فكرهم ومنظورهم القادم للحياة والكون. كما تعنى مثل هذه الجهود المرجعية برصد ردود افعال البشر المستقبلية وتفاعلاتهم مع القفزات النوعية الهائلة فى مجالات علمية مستقبلية سيأتى تفصيلها فيما بعد. ومن أهمها تلك المجالات التى تمثل أَضخم الانجازات المتوقعة مستقبلا فى علوم المعلومات وتقنياتها والنظم الافتراضية في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة البيئية الحاسوبية وفى مجال الخلايا الجذعية، والاستنساخ، وسلسلة الجينوم البشري، والذكاء الاصطناعي، وعلم الأحياء الفلكى وتقانة النانو والتقنية الكمومية، وثقافة الحوسبة الكمية وكما شغل هذا الإطار المرجعى بالاتجاهات التنظيرية والتطبيقية المستقبلية للعلوم الطبيعية فإنه لم يغفل فى الحقيقة الإشتغال أيضا بأبرازالاتجاهات التنظيرية والتطبيقية المستقبلية للعلوم الانسانية والأدبية والفنية وتحديد طبيعة الرؤى والافكار التى ستتبناها هذه العلوم مستقبلا واتجاهات التحضرالبشرى المادى والاخلاقى التى سترسخها تلك العلوم وأنماط التنمية والثقافة العلمية التى ستفوق الخيال وتتخطى النسيج المعرفى المألوف. كما اهتمت الجهود المستشرفة لمستقبل العلوم والتقنية بقضايا مهمة برزت بوادرها حاليا بشكل واضح على أرض الواقع فى عدة مجالات علمية دقيقة كالبحث عن الحياة خارج كوكب الأرض، والسفر عبر الزمن، والإنتقال عن بعد معلوماتيا لاذاتيا، والسباق المحموم للسيطرة على المادة والطاقة الكونيتين، واستكمال رسم خارطة الجينوم البشرى، واكتشاف أكثر من ثلاثة مليارات من الرموز الجينية للحمض النووي.وعلى الرغم من أناقة المنجز العلمى القادم وجماله إلا أن بعض المصادر العلمية التى تتصفت بموضوعيتها تحذر بشدة من الدورالإستبدادى الذى ستلوح به فى أفق المستقبل القريب دول خطوط الانتاج المعرفى والتقنى والتنموى كورقة رابحة لمد نفوذها الاستعمارى فى العالم وسيطرتها على الأسواق العالمية واحتكار التقنيات المذهلة التى تفرزها خطوط إنتاجها. كما سيتمثل ذلك الإستبداد فى حيلولة تلك الدول دون إمتلاك غيرها لهذه التقنيات وخاصة التقنيات ذات الأبعاد الاستراتيجية كتقانة المفاعلات النووية والمصادمات والمعجلات الذرية، والتقانة الكمومية والنانوية الفائقة، والجينوم البشرى، والتوطين الكمومى للذاكرة الانسانية المفقودة بسبب الزهايمر أو تقدم السن أو اصابات المخ ومراكزالتذكر فيه. ولم تغفل هذه المجهودات المرجعية العلمية الموضوعية الرائدة الكشف عن ما استطاعت كشفه من أنواع السناريوهات التى تؤسس عليها خارطة طريق انتقال دول خطوط الانتاج العلمى والتقنى والتنموى فى العالم من مستوى حضارة الصفر التى تقبع فيها تلك الدول حاليا تحت قيود تحكم المسار المحلى للعلم والتقنية إلى مستوى الحضارة رقم واحد التى ستمكن تلك الدول من التحكم فى مستقبل العلم والتقنية والتنمية والسيطرة على كوكب الارض برمته وقرنائه من كواكب المجموعة الشمسية. وقد أزاحت هذه الجهودالمرجعية أيضا الستارعن بعض السناريوهات الطموحة والمرعبة لخرائط الطرق المتنوعة التى حددت فيها هذه الدول معابر انتقالها فى المستقبل القريب من مستوى الحضارة رقم واحد الى مستوى الحضارة رقم اثنين التى ستقتصر فقط على الدول التى سوف تتحكم فى مستقبل العلوم وتقاناتها وثقافتها وفى مخزون المادة والطاقة والثروات الطبيعية فى مجرتنا بل وفى بلايين المجرات الأخرى. ويتوقع مارتن ريز فى كتابه "التحديات الكونية: هل نحن وحدنا وأين؟" أن العلماء سيتمكنوا في السنوات القليلة المقبلة من إرسال أسطول من المجسات الفضائية الى مجموعات شمسية أخرى تقع بعيدا عنا فى أطراف هذا الكون الواسع. ولن تنتظر هذه الدول كثيرا بعد ذلك لتلج سريعا فى فضاءات الحضارة رقم ثلاثة وما فوقها من الحضارات الرقمية التى ستزيد من نهم السيطرة الحديدية لتلك الدول على كوننا بل وربما على مليارات الأكوان الأخرى الموازية للكون الذى نعيش فيه. وتعد خرائط الطرق الاستراتيجية والقفزات الحضارية المشار اليها آنفا إمتدادا طبيعيا للحربين الأولى والثانية وكذلك الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية والصين من ناحية أخرى. كما تعد خرائط الطرق هذه أمتدادا طبيعيا لفلسفة فوكوياما عن نهاية التاريخ وهنتجتون عن صدام الحضارات وبرنامج حرب النجوم الذى لوحت به السياسة الامريكية فى السنوات القليلة الماضية ضمن خططها الرامية لعولمة كوكب الارض وعلمنة فكره واستقطابه لصالح أيدولوجياتها الديموقراطية المزعومة والرأسمالية الاستبدادية الإمبريالية التوسعية المقيتة. ومن المرجح أن يكون مصير كل ذلك فى المستقبل القريب هو التغير التكنولوجي الحاد الذى ستنعكس آثاره سلبا وإيجابا على التنمية السكانية والتخطيط والتعليم والطب ونظم الإدارة وحوسبة الإقتصاد والنظم الإجتماعية والعادات والتقاليد وربما على عقائد بعض الشعوب وأديانها . وسوف يكون مصير ذلك كله أيضا تعزيز قوى الدول المنتجة لتلك التقنيات وبسط نفوذها فى أوطان أخرى خارج حدودها السياسية وبخاصة إذا ما تحققت لها خلال النصف الأول من القرن الحالى القفزات الحضارية الرقمية التى أشرت اليها آنفا.
ولعله من الضرورى أن أشير فى ختام هذه المقدمة إلى أسماء بعض أشهر علماء العالم الذين تتبعت كتاباتهم طبيعة مستقبل العلم خلال الخمسين عاما القادمة ورصدت اتجاهاته المتوقعة ونمط الثقافة العلمية المستقبلية المصاحبة له أو المتولدة عنه ونظم التنمية الشاملة التى يفرزها. كما رصدت كتابات هؤلاء العلماء الكيفية التى سيغير بها مستقبل العلم فى نهاية النصف الأول من هذا القرن من ثقافتنا العلمية وتصوراتنا للحياة والكون وموقعنا فى خارطة المستقبل. كما تمحورت مؤلفات بعض أولئك العلماء حول التطورات التي يمكننا توقعها في علم معين أو ثقافية علمية ما أوتقنية بعينها ، وأى تلك العلوم والتقنيات سيمثل بالضرورة التحولات المفاجئة في الفكر البشرى والإدراك والسلوك الانسانى والتنمية البشرية والحضارية فى شتى المجالات . فاشتهر فى مجال الفيزياء النظرية على سبيل المثال لا الحصر محجوب عبيد طه، وأحمد زويل، ومحمد باسل الطائى، وبولد ديفيز، ولي سمولين، وكاكو ميتشو، و برايان جرين, وستيفن هوكنج وبنروزا، وفى علم الفلك مارتن رينز. أما فى حقل الرياضيات فقد رصدت اسماء لامعة منها إيان ستيوارت، وستيفن ستروجاتز. وبرز فى علم الأحياء أمثال ريتشارد داوكينز، وبول دبليو، وبرايان جودوين، وستيوارت كاوفمان، وروبرت سابودسكي. كما اشتهر فى علم الكيمياء بيتر أتكينز، وفى علم النفس بول بلوم، وميهالي شيكزنتميهالي، ونانسي اتكوف، وأليسون جونبيك، وجوديت ريتش هاريس، وجوفري ميلر، وجون إتش هولاند، ورودني بروكس. ولاشك أن أسهامات أولئك العلماء فى هذه المجالات قد فتحت للبشرية آفاقا للتعرف على مستقبل العلوم الذى أضحى بين قوسين أو أدنى، وحثت على التفكير الموضوعى الذكى والنابه في التحولات المتوقعة الحدوث قريبا. كما أسهمت بكفاءة فى التنبؤ بمعطيات الطفرات الثورية الهائلة والقفزات النوعية المدهشة فى شتى مجالات العلم والتقنية والتقدم التنموى المصاحب لتلك الطفرات التى ستمكن الدول القوية من السيطرة على العالم علميا وتقنيا ومعلوماتيا. وأخيرا لقد حثت هذه الإسهامات أيضا على ضرورة التفكير مليا فى مدى التغير الفكرى والسلوكى الحاد والمتلاحق الذى ستتعرض له البشرية فى السنوات القريبة القادمة وبشكل ربما يستعصى معه التنبؤ بطبيعة مسار ذلك التغير واتجاهاته وأنماطه الحياتية.
مستقبل العلم والتنمية فى الدول المتقدمة:
من المؤمل أن يشهد علم الفيزياء تطورا غير بعيد وغير مسبوق فى مجال التنظير والتفسير العلمى للمادة والطاقة الكونيتين وتطبيقاتهماالمتنوعة. ولعله من المناسب وصف عصر الفيزياء القادم بعصر تشييد المصادمات والمعجلات العملاقة الفائقة المتناهية الطاقة التى تم وسيتم توظيفها لفحص دقائق المادة كالكواركات وأوتار النسيج الكونى واستنبات الطاقة واستحثاثها فى الفضاء من حولنا. فبعد ان انتهى المجتمع العلمى من انشاء وتشغيل المعجل الخطي والسيكلوترونى والسنكروتونى والبيزوتروني والمعجل الهادرونى العالى الطاقة الذى تم تشغيله عام 2012 للميلاد والذى اكتشف فيه بوزون هيجز، يتهيأ العالم بحلول عام 2020للميلاد بتشغيل المعجل النيترونى المتناهى الطاقة الذى يزيد قطره عن 53 ميلا وتبلغ طاقتة الدنيا (10 19) الكترون فولت أى ما يعادل عشرة مليون تريليون الكترون فولت. ومن المؤمل أن يساعد كل من المعجل الهادرونى والمعجل المتناهي الطاقة الفيزيائيين فى القريب العاجل من إكمال صياغة نظرية الاوتار الفائقة التى ستوحد بين نظريتى النسبية العامة والكوانتم فى حقل تنظيرى واحد يتم بناء عليه تغيير جذرى لفهم مبدأ الزمكنة ووظائف القوى الكونية التى لاح فى الأفق بصيص الأمل لربطها ببعضها. ويدعم هذا الأمل تمكن العلماء من دمج القوى النوية العالية بالضعيفة وبالقوى الكهرومغناطيسية ولم يبقى أمام المجتمع الفيزيائى سوى قوة الجاذبية التى استعصى على العلماء حتى الآن ربطها بالقوى الاخرى الآنفة الذكر. ولهذا سيقوم العلماء خلال الأشهر القليلة المقبلة بإجراء التجارب المتقدمة فى المصادم الهادرونى وربما فيما بعد فى المصادم المتناهى الطاقة لفحص فرص فك شفرات الإئتلاف بين البوزونات المكونة لجسيمات القوى المختلفة كالغليون والبوزون والفوتون والجرافيتون وبين الفرميونات كالالكترونات والميونات والتاو ومختلف أنواع الكواركات التى يعتقد أن فك شفراتها سيحدد السبل الممكنة لاشتقاق تلك النظرية من خلال العمل على سبر أغوار الجرافيتون واصطياده لصالح توحيد القوى الكونية التى من المؤمل أن تؤدى إلى بزوغ شمس نظرية الحقل الموحد بإذن الله. كما سيشهد المستقبل وضع النقاط على الحروف بالنسبة لوظيفة بوزون هيجز وتحديد عمق المجال الكتلى للمادة التى عبرته عند النشأة الأولى للكون أبان الانفجار الكبير. ويعتقد العلماء أن التعمق مستقبلا فى دراسات بوزون هيجز سوف يحل لغز مبدأ عدم اليقين الكونى القابع عند جزء يعادل الاف المليارات من التريليونات من أجزاء الثانية الأولى بعد نشأة الكون . و ستشهد الفيزياء جهودا مستقبلية باهرة لكسر مبدأ التناظر أوالتماثل الكلاسيكى الذى تفترضه فيزياء هذا العصر وتعتمد عليه فى تفسيراتها لنشأة الكون وظواهره العملاقة المرئية وغير المرئية كالمادة والطاقة الداكنتين والدقائق النووية للبنيات الذرية كالنيترونو والميون والتاو والعوائل الكواركية المتنوعة ومكوناتها الوترية والبوزونات والفرميونات والثقوب السوداء والجمهرة النجمية والتوسع الكونى وفنائه انتروبيا. ونتيجة للتجارب النووية المكثفة التى سوف تجرى بعد عام 2020للميلاد فى المعجل الفائق المتناهى الطاقة، سوف يحل بديلا لهذا المبدأ، مبدأ آخر ثورى التوجه هو مبدأ التناظر الفائق الذى لن يعد يربط البوزونات بالفرميونات كما هوالحال فى تطبيقات مبدأ التناظر الكلاسيكى الراهن وإنما سوف تربط الفرميونات فيه بالفرميونات للولوج فى عالم جديد لفهم الطاقة والمادة واستثماراتهما بالشكل الذى يحقق القفزات الحضارية الرقمية فوق الصفرية للدول التى ستمتلك زمام هذا التقدم وفقا لما تم الإشارة اليه آنفا فى مقدمة هذه الورقة. ولاشك أن المستقبل سيعايش طفرات فيزيوكونية نوعية هائلة فى مجال القفزات الكمومية والخندقة الكمية والإنتقال معلوماتيا للمادة والطاقة عن بعد وسفر البشرعبر الزمن عن طريق توظيف خاصية التشابك الملحوظة تجريبيا بين الدقائق النووية للبنى الذرية. وسوف تنجلى قريبا أزمة ثنائية الجسيم –الموجة للالكترون والفوتون التى تجلت دونما أدنى شك في العبور الالكترونى والفوتونى أثناء آلاف الفحوصات التى تمت باستخدام تجربة الثقبين العالمية المعروفة أو بواسطة التجربة التى حركت فيها الإلكترونات فى مسارات انشطارية للطيف كريستاليا والتى تم فيها تحديد مدى تأثير حاضر واحد أومجموعة من الإلكترونات أوالفوتونات على ماضى آخر منها أو مجموعة أخرى مناظرة لها ذريا.

ولعله من المهم الإشارة هنا إلى ان علماء الفيزياء منشغلون فى الوقت الراهن بالعمل فى عدد من المجالات التى سوف تمثل قفزات نوعية مستقبلية طلائعية رائدة من أهمها تطوير المعرفة الفيزيوكونية بأمواج الجاذبية التى رصدت الشهر الماضى نتيجة لتصادم ثقبيين اسوديين وتوظيف تلك المعرفة فى الكشف عن لحظة حدوث البج بانج أو الانفجار العظيم الذى نشأ عنه الكون. وسوف تؤدى هذه المعرفة بعد دمجها بالابحاث المستقبلية لبوزون هيجز من كسر طوق مبدأ عدم اليقين الكونى فى حقبة جزء من آلاف المليارات التريليونية من الثانية الاولى للحظة مابعد تكون نقطة الآحاد الكونية العالية فى الطاقة والحرارة والمتناهية فى الكتلة. ومن الجدير ذكره هو أن العمل الفيزيائى البحثى الطلائعى الرائد يقف اليوم على أعتاب مستقبل علمى يشب عن الطوق خارج البحث الفيزيائى التقليدى الحالى حيث يمكن فى ضوء منجزاته التحكم فى المادة فى أصغر حدودها الأساسية زمنيا ضمن مقياس الفيمتوثانية" الذى يعادل جزء من ألف من مليون مليون جزء من الثانية" (1×10- 15) وحيز يقاس بالنانومتر" الذى يساوى جزء من الف مليون جزء من المتر" (1×10-9). وبموجب ذلك يكون بالإمكان رؤية نبضات الذرات من خلال الفيمتوثانية التى تمثل ماتمثلة الدقيقة الواحدة من عمر الكون، و دراسة المادة على مستوى النانومتر وتمييز هياكل الذرات، وتشكيل أنواع جديدة من المادة. وسوف تساعد التجارب التى سوف تجرى على المادة عند مستوى الفيمتوثانية العلماء من إكمال تفاعلات كيميائية ما كان من الممكن أن تستكمل خارج هذا المستوى الزمنى المتناهى فى الصغر. وسوف تتطور العمليات الجراحية للعين والمخ والأعصاب باستخدام الليزر عند هذا المستوى الفيمتوى الذى يسافر خلاله الضوء مسافة تعادل 3, مايكرومتر وهو ما يقارب قطر الفيروس مما يفتح آفاقا هائلة للتعامل مع الفيروسات والبكتيريا والتحكم فى درجة تأثيرها على الإنسان والحيوان وتقليص حجم الإصابات الفيروسية والأمراض المهاجرة او المستوطنة المعدية القاتلة. وسوف تصبح الدراسات التى كانت تجرى على مقاييس النانوثانية (10-9×1) والملى ثانية والميكروثانية إذا ماقورنت بالأبحاث التى سوف تجرى فى المستقبل القريب على مقياس الفيمتوثانية دراسات تقليدية للغاية لاتلائم الطموحات المستقبلية ليفيزياء وكيمياء الفيمتوثانية. وسوف يقتصر دورابحاث النانوثانية على قياس الوقت اللازم للقراءة أو الكتابة من الذاكرة الحاسوبية العشوائية المعروفة بالرام وذلك استعدادا لقفزات الفيزياء فى عالم بحثى فوتونى فريد سوف ينجز على مستوى فاصل زمنى بمقياس البيكوثانية والأتوثانية التى يفوق فاصلهما الخيال البشرى وتوقعات الفكر الانسانى. ونتيجة لذلك سوف تقفز أبحاث الفوتونات أى أبحاث الضوء فى المستقبل المنظور متقيدة بذلك الفاصل أى بفاصل زمن الأتوثانية(1×10-18) الذى يعد أصغر بألف مرة من الفاصل الفيمتوى أو مليار مرة أصغر من النانوثانية. وسوف يكشف لنا البحث العلمى فى المستقبل عند هذا المستوى الخيالى من الزمن غرائب جديدة للدقائق النووية وأوتار الكواركات وربما سوف يحل أزمة ثنائية الجسيم- الموجة للحالات الكمومية للالكترونات والفوتونات والدقائق النووية الاخرى. وسوف يكون هناك عما قريب بالإمكان تشكيل شبكة لإنتاج منظومة للذكاء الصناعى لدعم أعضاء البشربها كالدماغ مثلا‘ وحقن مخ الإنسان كموميا بالذاكرة التى فقدها كما اشرنا الى ذلك آنفا. ولعله من المهم الإشارة هنا الى المنجزات المستقبلية النانوية المدهشة التى سوف تفوق الخيال وتتخطى حواجز التصورات العقلانية عند الانسان. ومن تلك المنجزات المستقبلية الأنابيب الكربونية المصنوعة من الجرافيت على المقياس النانوى والتى سوف تتكون منها مستقبلا أجسام السيارات والطائرات والبواخر والمركبات الفضائية لاكسابها أوزانا أقل وسرعات أكبر وصلابة أكثر ومقاومة أشد للحرارة والكوارث المباغتة. ويتوقع العلماء أن المستقبل القريب بإذن الله سيحفل بإنتاج بطاريات نانوية سوف تولد طاقة تفوق الطاقة التى تولدها البطاريات التقليدية المعاصرة. وتنبئ سناريوهات المستقبل ونماذج المحاكاة الحاسوبية والرياضية وامتدادات توقعات العمل المختبرى النانوي الدقيق الإستدلالى الفروضى بقرب توليد حواسيب فى حجم دمعة العين أو راس الدبوس أوقلم الرصاص ذات تفوق ذاكرة رقائقها النانوية عشرات الآلاف من المرات ذاكرة حواسيب اليوم التقليدية ورقائقها الكلاسيكية غير النانوية. ويتجلى للعلماء اليوم أفق مستقبلى تلوح فيه معالم توليد أنظمة روباتية متنوعة الوظائف والاحجام النانوية منها تلك الروبوتات التى من الممكن أن يبلعها المريض لاجراء عملية جراحية له دون حاجة لغرفة عمليات معقدة ومباضع الجراحة وتقنياتها العصرية. وقد تقوم هذه الروبوتات بعلاج الامراض المستعصية كاللوكيمياء وأنواع الاورام الخطرة أضافة الى إمكانية دعمها لخلايا الدم بمعدلات تزيد بنحو 200 مرة عن الدعم الذى توفره خلايا الدم الأصلية عند الانسان. ولم تنسى الجهود العلمية المتعلقة بتنبؤات المستقبل من الوقوف عند إمكانية النمذجة والمحاكاة للزمكنة الفضائية وأبعاد الانحناء الكونى لاستنباط قدرات من المادة والطاقة عند المقياس النانوى تساعد العلماء على توليد منجزات نانوية تصنيعية مستقبلية فائقة منها صناعات لتوليد مركبات فضائية نانوية للسفر عبر المجرات لتوفر معلومات كونية غير مسبوقة وخرائط للكون لم تشهدها البشرية من قبل وخاصة مايتعلق بتوزيع النسيج الكونى وانماط ذلك التوزيع والخصائص الطبيعية لبلايين المجرات والأكوان الموازية. وسوف تقترن هذه التقنية بتصنيع مصاعد فضائية وفقا للمقاييس النانوية تهيئ للعلماء الصعود فى الفضاء الفسيح بهدف استقصاء أدق الاجزاء الكونية ومعرفة الابعاد الزمكانية المفقودة للكون وتفاصيل القوى الكونية وأسرار الدقائق النووية المؤلفة للمادة والطاقة الداكنتين إضافة الى ما يمكن أن توفره هذه المصاعد من ملومات غير مسبوقة والكشف عن طبيعة أفق الحدث للثقوب السوداء و سبر أغوار مكامن الخندقة الكمية والتشابك الكمومى وسر انتقال المادة فى الفضاء تحت تأثير ظروف انعدام الزمكنة وقوى التجاذب الكونى . وسوف تتطور أبحاث النانو فى المجالات العسكرية والاستراتيجية الاستخبارية الفائقة التى سوف تدعمها المختبرات النانوية العلمية المتقدمة التى سوف توفر للمصانع العسكرية السرية أحدث التقنيات لانتاج أجهزة وعتاد حربى نانوى فائق التقدم إضافة الى اجهزة استخبارات على المقياس النانوى غير المرئى المدعومة بجيوش نانوية لاحصر لها كما ونوعا. ولاشك أن هذه التحولات ، إن حدثت ، ستقود إلى وضع تقل في النظرية الموجودات والتفاعلات الأساسية وتكبرفيها مجموعات التماثل وتندرج القوانين تحت أطر نظريات أعم وأشمل من نظريات اليوم . كما ستسود المبادئ العامة التى تصف مجموعة من الحقائق محصلة من تجارب متشابهة تفوق كل الإعتبارات المفاهيمية السابقة لها وتتغير بناها الرياضية بشكل يتناسب مع صيغ التفاعلات الأساسية المنشودة . ولاشك أن هذا التحول الحذر لمنظور علم الطبيعة المعاصر سيكون نتاجا لسلسة من الجهود التى ستبذل خلال هذا القرن لحصر الإحتمالات وتضييق نطاق المقبول من المبادئ والمفاهيم التى تقتضيها صيغ التفاعلات الأساسية المرتقبة . فما من شك أن ظهور مبدأ التطبيع ومبدأ اللاتغير القياسى الذى يتبنى "نظرية الأكوان الكمية" ومبدأ التماثل في "نظرية الأوتار الفائقة" هى فى مجملها دلائل لإحدى الصيغ المقبولة للتفاعلات الأساسية. ولكن هذه الدلائل التى ظن العلماء أنهم قد قدروا عليها وملكوا زمام أمرها تنقلب فجأة وبالاً عليهم بعد ما اعلن فيرنر هايزنبرج "مبدأ عدم اليقين" القاضي باستحالة تحديد موقع الكترون ما وسرعته في الآن نفسه. فدعى هذا الأمر العلماء ,عند هذه النقطة في الزمان من منظور علم الطبيعة المعاصر,أن يتساءلوا عما إذا كان مبدأ عدم اليقين يفرض قيدا علي المعرفة البشرية وعلى صفة ألحرية والإختيار للجسيمات.وتساءلو أيضا فيماإذا كان من الممكن إعطاء معني لسلوك الجسيمات في ظل عدم اليقين أو اللاتحددية التي يفرضها هذا المبدأ. وفي المقابل أثارالعلماء تساؤلات مهمة وقضايا شائكة أخرى كمحاور للعمل المستقبلى فى علم الطبيعة تركزت جميعها حول مفاهيم المكان والمادة والزمان والسببية .كما تركزت هذه التساؤلات حول وضع هذه المفاهيم في ظل "نظرية الأوتار الفائقة" الأنفة الذكر التى ربما ستمثل المنظور المنطقى القادم لهذا العلم. وإلى أن يصل العلماء إلى هذه النظرية سيظل العلماء يبحثون حثيثا عن الإجابات لهذه التساؤلات بشكل فوري وحاسم كى تتمكن الفيزياء المعاصرة من الولوج فى أفق المستقبل المدهش. ومن التساؤلات المهمة فى هذا الصدد هى تلك المجموعة التى تهتم بمفهومى المكان والمادة من مثل:هل المكان سابق لمحتوي الماده, وهل المادة ضرورية لمفهوم المكان, وهل من الممكن أن نعطي معني للمكان دون وجود المادة فيه, ومامعني شغل جسيم مكان ما,وهل كل ما يشاهد مادي , وما علاقة المادة بالطاقة, وما معني بقاء المادة ,وما هي صلة المادة بالكتله,وهل هناك أجسام خارجية عن المشاهد واجسام داخليه,وهل هناك قوى خارجية وقوى داخليه للماده,ومامعنى إختفاء المادة وظهورها,وكيف توجد المادة من عدم. وهل التجارب المعملية قادرة على إثبات أو نفي العدم. وتتلاحق هذه التساؤلات يتبع بعضها بعضا كالأمواج الهادرة في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج وبخاصة في القضايا ذات العلاقة بالتمييز بين الزمانين المطلق والنسبي التى تتمحور تساؤلاتها فيما يلى: هل من الممكن ان يكون الزمان موجودا في غياب المادة وفي غياب المشاهد, وما صلة الزمان بالحركة, ومامعنى السكون المطلق والسكون النسبي, وماهى الصلة بين الزمان والحدث الفيزيائي,وما هي الصلة بين الزمان اللحظه وبين التاريخ والوقت للحظات المختلفه,وماهى مسيرة الزمان واتجاهه وتطوره,ومامعنى أسهم الزمن وما اتجاهها,وماهو مفهوم المتسع المكاني والزمانى,ومامعني التتابع الزمنى للظواهر والحوادث ومادورالعلم فى تمكين المادة والطاقة فى السفر عبر الزمن بالمعلومات لا بالذات وهل يمكن للإنسان من عبورذلك الزمن بهذه الطريقة خارج حدود الزمان والمكان المألوفين؟ .أما القضايا التى تتعلق بمفهوم السببية فتتمحور حول مايلى من تساؤلات: هل صحيح أن لكل شئ سببا, وهل هناك أمثلة لأحداث فيزيائية لاترتبط ارتباطا سببيا,وما هى الصلة بين التفسير والتسبيب,وهل يختلف الأول عن الثاني,وما الصلة بين التسبيب والقصد,وهل الإحصاء وسيلة لكشف السبب أم انه إحتمال علاقاتى غير قابل للتفسير سببيا.

ويرى المشتغلون بنظرية المعرفة وبفلسفة علم الطبيعة أن عدم الوصول الى اجابات مقنعة عن التساؤلات الأنفة الذكر فى الأمد القريب ربما يضع كامل هذا العلم وما يرتبط به من نظريات وقوانين وشروحات في أزمة معرفية لايمكن التكهن بمدي ضررها على الفكر التنظيرى لهذا العلم في المستقبل المنظور.
أما الرياضيات وماأدراك ما الرياضيات فمن المتوقع أن تشهد فى نهاية النصف الأول من هذا القرن ثورات كبرى، بفعل التأثير المتزايد للحواسيب وبخاصة الكمومية منها والتحديات الجديدة التي تطرحها العلوم الفيزيوكميو بيولوجية وعلوم الكون وهندسة الفضاء. وسوف تحل خلال هذا القرن عدد من المسائل الرياضية التى استعصى حلها على مدى قرون وذلك باشراف معاهد متخصصة منها على سبيل المثال لاالحصر معهد كلاي للرياضيات في كيمبردج بولاية ماساتشوسيتس الذى رصد قبل سنوات قليلة خلت مكافآت مالية لحل سبع مسائل رياضية مستعصية فقط من عشرات المسائل غير المحلولة بلغت قيمة مكافأة حل المسألة الواحدة مليون دولار أمريكي. وسيرتبط علم الرياضيات خلال هذا القرن بفيزياء الكم والعلوم الحيوية. وستكون لدينا بحلول عام 2050 نظرية رياضية قوية حول الظواهر الناشئة والديناميكا عالية المستوى للأنظمة المعقدة التى سينتج عنها مفاهيم لم تخطر على بال حتى الآن و فهم جديد على غير المألوف للنمذجة الرياضية التى ستتخلى بناء عليها رياضيات هذا القرن عن كثير من نماذجها ومعادلاتها الكلاسيكية ومنها على وجه الخصوص النمذجة الخطية .وستؤدي عمليات الدمج والتصغير والتطوير في الحواسيب إلى اختراع جهاز اتصال عالمي في حجم ساعة اليد يضم كاميرا فيديو وكمبيوتر وجهاز تحريك صور وجهاز تحديد المواضع وكمبيوتر محمول وشاشة عرض ثلاثية الأبعاد توفر خيارات تحكم شاملة. وستطور فى المستقبل االقريب برامج الكمبيوتر التى تتصف بالمرونة والذكاء والتعلّم الذى يشبه مستوى الذكاء الذي يتمتع به البشر أو يقترب منه . كما سيكون هنالك تأكيد مستمر على البرامج التي تعدل ذاتها بناء على التجربة للوفاء بالمتطلبات الخاصة بكل مستخدم على حدة. وسوف يؤدي تطوير الأجهزة الحاسوبية والألكترونية الطبية وتصغيرأحجامها إلى ثورة في العلاج تمكننا من فهم الأمراض بطرق أكثر دقة وكفاءة. ويتوقع أن تجري عمليات دمج بين التكنولوجيا ووظائف جسم الإنسان الحيوية بحيث يكون ممكنا مع نهاية هذا القرن قيام روبوتات ميكروسكوبية إصطناعية أجراء الفحوصات والكشوفات والعمليات الجراحية بدون جراح، أو إرسال محرك جزيئي الى الخلية لإصلاح الخلل فيها ثم يخرج منها تلقائيا بعد شفائها بعون الله تعالى، أوزراعة أجهزة بصرية وسمعية تقوم بوظائف أعضاء الجسم التالفة. وسيكون من الممكن آنذاك توظيف البرامج الحاسوبية وأجهزة الكمبيوتر ذات العلاقة لمساعدة المصابين بالشلل والإعاقات الشديدة على التواصل وأداء كثير من الأعمال. وسيتمكن الطب فى الخمسين عاما القادمة من زرع رقاقات داخل الأجسام لتوجيه الأعصاب والتحكم بالوظائف الأساسية لدى المصابين بالسكتة الدماغية والشلل الرعاشي (باركنسون) والشلل الرباعي. وقد نمتلك قدرات بيولوجية جديدة يبدو بعضها اليوم خياليا، مثل تطوير الذاكرة، والتحكم بالجنين من حيث ذكائه وقدراته وطوله وشكله، وستنشر قطع الغيار البشرية لتعديل الأجسام وتعويض النقص والفقد في أجسام الناس. وسوف تتطور تقنيات الخلايا الجذعية وخاصة IPS منها التى تعالج العمى والتى بسببها حصل ياماناكا على جائزة نوبل فى الطب. وقد اصبحت هذه الخلايا تسمى الخلايا السحرية نتيجة لقدرتها الفائقة لكسر احدى المسلمات الكونية وهى امكانية اعادة الزمن الى الوراء . فهي خلايا عادية تؤخذ من الجلد ويتم اعادة برمجتها لكي تتحول الى خلايا جذعية وبعد ان تتحول الى خلايا جذعية يمكنها ان تتخصص من جديد وتصبح عضوا جديدا كقلب او كبد او اعصاب الخ. وتعود أهمية هذه التقنية الطبية الى كونها مصدرا لا ينضب نتيجة لإمكانية اعادة برمجة الكثير من خلايا الجسم وجعلها جذعية وكذلك ايضا لقدرتها االفائقة على التحول بإذن الله تعالى الى اي عضو بشرى يخطر على البال مما يجعلها تنافس الخلايا الجنينية ولكن دون اي مشاكل اخلاقية كما في حالة الخلايا الجنينية. ولكي يعاد برمجة الخلايا كان الطب يستخدم فيروساً يسمى سنداى الذى اكتشف أنه يقوم بالبرمجة بكفاءة وتحويله للخلايا التى تؤخذ من الجلد الى خلايا جذعية، لكنه في بعض الاحيان يعبث بالجينات الاخرى ويسبب اوراماً . لذلك كانت الخشية من استخدام هذه التقنية في الانسان لكن بعد فترة إكتشف برفسور ياماناكا طريقة جديدة لبرمجة الخلايا بدون استخدام ذلك الفيروس، ولكن رغم نجاح الطريقة الا ان كفاءة اعداد الخلايا المبرمجة كانت قليلة .وهنا وقعت تقنية إعادة برمجة الخلايا بين معضلتين اما استخدام الفيروس وتكون الاعداد كافية ولكن الطريقة غير آمنة او عدم استخدام الفيروس وتكون الطريقة أأمن من الاولى لكن الكفاءة والاعداد قليلة. ومع الوقت تحسنت الطرق حتى وصلوا الى طرق اكثر كفاءة مثل استخدام فيروس جديد حميد يقوم بالعمل بكفاءة ولا يعبث بالجينات مثل فيروس سنداي هذا بالاضافة الى طرق اخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها سوف تجعل عملية البرمجة اكثر امانا وكفاءة. ويكاد يجزم المتخصصون فى هذا الحقل انه خلال سنوات قليلة ستتاح للبشرية أمكانية تعويض معظم أعضاء الجسم الحيوية وشفاء عدد كبير من أمراض الجلد وهشاشة العظام وأنواع الكسور وأنوعا من أخطر السرطانات وأدواء السكرى والتصلب اللويحى فى الجسم وإعادة البصر لفاقديه. وعلى الرغم أن نتائج العديد من التطبيقات العلاجية للخلايا الجذعية مشجعة، إلا أنه مازال كثير منها في طور التجربة ويحتاج إلى عدة سنوات قبل أن ينتقل إلى مرحلة التطبيق، ويرجع السبب في ذلك إلى تسجيل انتكاسات إصابة لبعض حيوانات التجارب على المدى الطويل في بعض من هذه التقنيات العلاجية، ولذلك يحتاج الباحثون للتأكد من أن هذه الانتكاسات لن تصيب الإنسان[3]، كذلك فإن النتائج المبكرة للدراسات السريرية لا تعكس بالضرورة نتائجها النهائية. ونتيجة لذلك التقدم الطبى المدهش والمبهر سوف تصبح عمليات الزرع فى الدماغ ربما شائعة بقدر عمليات زرع القلب أو الكبد والكلى. وسيرتقى علم الأعصاب نتيجة للأبحاث المتعلقة برسم خرائط المخ الثلاثية الأبعاد الى مستوى استثنائى جديد وخاصة فى المسائل المتعلقة بالكيفية التى تتصل الخلايا بعضها ببعض فى المخ. وسوف تساعد تلك الأبحاث المتخصصين فى الطب الحيوي على تحديد أنماط شبكات المخ العصبية التى تنخرط فى جميع أنواع عمليات التفكير والكيفية التى يعمل بها الدماغ فعليا لانتاج خلاياه العصبية المكونة من آلاف الأنواع من البروتينات وكيفية استخدام المخ لتلك البروتينات . ويتهيأ العلماء حاليا للعمل الجاد المدعوم من المؤسسات الامريكية الحكومية ببلايين الدولارات لإعداد خريطة للدوائر العصبية وللنظام الجزيئي الدماغى وصور ديناميكية عن الدماغ وأطلس له وهو فى طور العمل لمعرفة عيوبه وكيفية تأثيرها على نشوء الإضطرابات العقلية عند الإنسان. ونتيجة لهذا التقدم فى مجال أبحاث المخ والأعصاب، يتوقع بول دبليو إيوالد أنه بات محتملا في السنوات القليلة القادمة السيطرة على كثير من الأمراض و معالجتها كالزهايمر، وانفصام الشخصية، والاكتئاب أضافة الى السكري، والسرطان. وستتوفر قريبا إمكانية إعادة البرمجة للتصنيفات الحالية للكائنات الحية لتحقيق تحول تاريخى نوعى جديد فى عالم الخلايا باستخدام مجهر ليدن هوك الدقيق ألأقرب الى الخيال. إن تسابق العلماء مع الزمن لاكتشاف أسرار الدماغ وكيفية عمله وفهم كثير من وظائف أعضاء الجسم وعملها هو جزء من خارطة الطريق الجادة نحومستقبل باهر لعلم المخ والأعصاب. ولكن على الرغم من كل التقدم العلمى والتقنى الحالى والمستقبلى المتوقع ستظل البشرية تعانى في الـخمسين عاما المقبلة من مشكلة الطبيعة الجينية الكؤود للفيروسات ومنها على وجه الخصوص فيروس نقص المناعة "الإيدز" الذى يتمتع بجينيات مرنة تمكنه من تطويرمقاومته لمضادات الفيروسات والإفلات من محاولات العلاج والمقاومة. ولعل المحاولات التى تجرى حاليا فى المختبرات الحيوية الفائقة فى الدول المتقدمة لفك شفرات التخاطب بين الفيروسات والبكتيريا من ناحية وبينها وبين البشر من ناحية أخرى ستمكن المختصين من التحكم فى سلوكياتها وتقليل تأثيراتها الضارة على الإنسان. وعليه سيكون هناك فى المستقبل فرع من علوم اللغة والسانيات يسمى علم لغات الفيروسات والبكتيريا الذى سيفتح أفاقا رحبة للتخاطب مع الفيروسات والبكتيريا وفقا لقواعد لغوية مقننة ومنهجية أسلوبية محددة ونظم اجرائية تحليلية صارمة.
مستقبل العلم والتنمية فى العالم العربى:
يعد التطور العلمى والتقنى ضرورة ماسة لتقدم الأمم والنهوض بها، ودعم مجتمع المعرفة وأسواق اقتصادياتها، وترسيخ التنمية المستدامة، ، ومواكبة ماراثون العلم والتقنية فى العالم فأين نحن فى بلادنا العربية من خضم التقدم العلمى الهائل؟ وأين نحن من واقع ذلك التسارع العالمى المدهش نحو مستقبل علمى باهر؟ . وللإجابة عن هذه التساؤلات لابد من وقفة موضوعية لواقع بعض البلدان العربية، فللأسف لا تزال معظم- البلاد العربية فقيرة أوتنعدم فيها الأبحاث الرائدة عالميا كأبحاث الخلايا الجذعية، والاستنساخ، والجينوم البشرى، والذكاء الصناعى، وتحوير المادة نانويا لانتاج مواد جديدة، والتحكم فى المادة زمنيا بمقياس الفيمتو ثانية وبحيزنانومترى ، والطب الجزيئى، وأبحاث الفضاء ونظم المعلومات،والتكنولوجيا الحيوية، وتقانة المفاعلات النووية والمصادمات والمعجلات الذرية، والتقانة الكمومية والنانوية الفائقة، والتوطين الكمومى للذاكرة الانسانية المفقودة. ونتيجة لذلك أعزى تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى عن التنمية البشرية فى العالم العربى الذى صدر حديثا التخلف العلمى والتنموى فى هذه البلاد الى فقر المعرفة العلمية والتقنية، وضآلة دعم البحث العلمى والإبداع. كما أعاد التقرير ذلك التخلف إلى التقصير الملحوظ فى إنشاء المؤسسات العلمية والبحثية التى تضاهى أرقى مراكز البحوث فى العالم كمعهد ماكس بلانك فى المانيا ومعهد وايزمان أو معهد انتثيون فى الأرض المحتلة أوأم أى تى فى الولايات المتحدة الأمريكية أو المعاهد المماثلة فى كندا والاتحاد الأوروبى والهند على سبيل المثال لا الحصر. كما يعود تخلف البلاد العربية حسب التقرير أعلاه إلى ضآلة المشاركة العربية فى صناعة المعرفة العالمية المعاصرة،. وأعزى التقرير المنوه عنه أعلاه التخلف العلمى والتنموى فى البلاد العربية أيضا الى اسباب أخرى لاتقل أهمية عن سابقتها أعلاه منها ارتفاع معدلات الأمية، والبطالة المطلقة والمقنعة، وضعف دخل الفرد العربى الذى يعتبر من أقل المستويات فى العالم وضعف نسبة البحوث المنشورة التى لم تتجاوز نسبتها 3,. % من نسبة البحوث المنشورة فى العالم خلال الخمس سنوات الماضية.

ويكمن السبب وراء ضآلة حجم انتاج البحوث فى عالمنا العربى أيضا الى أن أغلبية الجهود البحثية التي تعمل في البلاد العربية لا تجد لها بيئة عمل تطبيقية على أرض الواقع نتيجة لقلة خطوط الإنتاج أو ضعفها, أو لعدم ارتباط هذه الجهود بسوق العمل, وانعدام ثقة المؤسسات الإنتاجية بقدرة المهارات والخبرات المحلية واعتمادها على الخبرات الأجنبية لحل المشاكل التي تعترضها. هذا بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية البحثية للهياكل القادرة على نقل الأفكار إلى منجزات بحثية , ومحدودية تمويل القطاع العام والخاص على حد سواء لتلك الأفكار. فالاستثمار في البحث العلمي في العالم العربي أقل من سبع المعدل العالمي هذا فضلا على أن الانفاق على البحث العلمي في البلاد العربية آخذ في الانخفاض مقابل الزيادة الهائلة في الانفاق على المجال العسكري الذي أرتفع في العشر السنوات الماضية من 150% الى أكثر من 300% من الانفاق القومى. كما أن عدد الباحثين فى البلاد العربية بعيد جدا عن المعدل العالمي البالغ 1000 باحث لكل مليون نسمة. وهو بعيد للغاية أيضا عن متوسط عدد الباحثين فى الدول الصناعية الذي يزيد قليلا عن 4000باحث لكل مليون نسمة. ويعد معدل 400باحث لكل مليون نسمة فى البلاد العربية معدل منخفض جدا مقارنة بمعدلات بعض دول العالم الصناعى.فمثلا يصل هذا المعدل الى4400في بريطانيا 5000 في فرنسا 
نوافذ الحوار
كان لهذا اللقاء إيقاع واسعٌ وكبيرٌ في نفوس الحضور، ومداخلات ساخنة، وأسئلة مثيرة أجاب عنها المحاضر الدكتور يحيى أبو الخير ومنها مداخلة الدكتور/ خضر الشيباني الذي أشار إلى هذه الجولة الواسعة والمتسارعة في العلم المتطور ثم تساءل : أين نحن من هذا التسارع والتسابق كما يسأل الدكتور/ يحيى أبو الخير ؟! وسأل الأستاذ / عبد الرحمن أبو النجا : ما الفرق بين النظرية والحقيقة؟! لقد قال لنا الأساتذة قديماً أن الذي لا يعرف الرياضيات لا يعرف الفيزياء، فما مدى صحة ذلك؟! أما الدكتور إبراهيم الفايز، فحمد الله ثم شكر عميد الندوة الشيخ / أحمد با جنيد على هذا اللقاء، وأضاف لقد تألق المحاضر، وحلق بنا، والصحابة كانوا يقولون لبعضهم بعضاً تعالوا نؤمن ساعة، والليلة زاد إيماننا في هذه المحاضرة وقد حفتنا الملائكة في هذا المجلس الذي هو من رياض الجنة، كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الع

التصنيفات