التعليم ثنائي اللغة

التعليم ثنائي اللغة
التعليم ثنائي اللغة
بسم الله الرحمن الرحيم 
في ندوة ( الوفاء ) الثقافية : 
التربوي الدكتور / إبراهيم الحارثي يحاضر عن (( التعليم ثنائي اللغة )) 
   الرياض : محمد شلاّل الحناحنة
أقامت ندوة ( الوفاء ) الثقافية في الرياض محاضرة بعنوان (( التعليم ثنائي اللغة )) ألقاها التربوي الدكتور / إبراهيم الحارثي المستشار في مؤسسة الرواد التعليمية التربوية ، وذلك مساء الأربعاء 2/5/1432هـ وقد أدار اللقاء الإعلامي الدكتور عائض الردادي ، وحضرها حشد من المفكرين والتربويين والمثقفين ، وجمهور من محبي الندوة وروادها . 
اللغة العربية لا بواكي لها 
بدأ المحاضر الدكتور / إبراهيم الحارثي محاضرته بحمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، شاكراً عميد الندوة الشيخ أحمد بن محمد باجنيد على حرصه على تقديم موضوعات أصيلة ترسخ هوية الأمة ، ثم أضاف : إن اختياري لهذا الموضوع جاء من غيريتي على اللغة العربية التي لا بواكي لها ، ومن الغريب أن بعضا من التربويين أصبح يعد تدريس اللغة العربية أنه من النشاز ، أما تعريف اللغة فقد تعددت تعريفاتها حسب الجانب الذي يركز عليه الباحثون ومنها : أنها أداة لتصور العالم الخارجي وتمثله داخل النفس البشرية ثم التعبير عنه ، وبعضهم يعدها تواصلاً اجتماعيا للتعبير عن النفس البشرية ، والحق أن هناك صفات عالمية للغة .


التعليم ثنائي اللغة 
تحدث المحاضر عن التعليم ثنائي اللغة فقال : في هذا التعليم تصبح اللغة الأجنبية رئيسية تدرس فيها معظم المواد وقد يتم تدريس اللغتين معاً من الروضة والأول الابتدائي ، وغالباً ما يركز على اللغة الأخرى في تدريس العلوم والرياضيات إذ تصبح اللغة الأم لغة أجنبية ونعني باللغة الأم في بلادنا لغتنا العربية ، ومن الأسئلة التي لابد من طرحها ما يأتي : هل هناك فترة حرجة لاكتساب اللغة لدى أبنائنا ؟ ، وهل هذه الفترة تختلف في اللغة الأم عنها في اللغة الأجنبية ؟ ، وما الفترة المناسبة لاكتساب اللغة الأم ؟ ، وما الفترة المناسبة لاكتساب اللغة الأجنبية ؟ . 
وأثبتت الدراسات التربوية التطبيقية أن الفترة المناسبة لاكتساب اللغة الأم هي من سنتين إلى اثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة . 
أما اكتساب اللغة الأجنبية فالفترة المناسبة هي بعد سن البلوغ حسب دراسة "بوير" عام 2004م والعالم " هايتسون ، سونج " عام 1919م . 
كما تشير الدراسات التربوية إلى تدهور قدرات التلاميذ في اللغة الأم وتآكلها ، وانتشار حالات مرضية لغوية وعجز لغوي ، واختناق لغوي إذ لا يستطيع التلاميذ التعبير عن أنفسهم حين تعلموا دروسهم وموادهم بلغة أجنبية غير لغتهم الوطنية الأم  
                ومن الأمور الخطيرة التي تحدث في حالات التعلم بلغات أجنبية ما يلي : 
1- فقدان القدرة على التفكير السليم ، وتعلم المهارات اللغوية وتنميتها . 
2- تفشي ظاهرة اضمحلال اللغة الأم . 
3- موت اللغة الأم كلياً عند التلاميذ . 
4- إخراج اللغة من المؤسسات التربوية . 
5- إخراجها من مؤسسات التعليم . 
6- فقدان الأطفال لأدنى حقوقهم وهو التعلم بلغتهم الأم . 
7- عدم إتاحة التعلم لجميع طبقات المجتمع . 
8- قطع المجتمع عن جذوره وتراثه ودينه وعاداته وتقاليده . 
9- جعل المجتمع فريسة للتغريب . 
10- اضطراب في القدرة على تعلم لغات أخرى .


آثار التعلم باللغة الأجنبية 
أشار الدكتور إبراهيم الحارثي إلى آثار تعلم اللغة الأجنبية ، وتدريس المواد بلغة أخرى غير لغتنا العربية من خلال دراسة قام بها ، وقد نبه قادة الأمة لما تتعرض له اللغة العربية ، مما يؤثر على اللغة حضاريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وتجيب دراسته على سؤالين هما : ما الأضرار التي تتعرض لها اللغة العربية في حالة تعلم المواد الدراسية بلغات أخرى ؟! ، وما تأثير ذلك على أولياء الأمور وعلى التلاميذ من خلال الواقع الذي يعيشونه تعليميا واجتماعيا ولغويا ؟! . 
دراسات ووقفات 
وعرض المحاضر الدكتور / إبراهيم الحارثي لعدة دراسات أثبتت خطورة التعليم بثنائية اللغة ، ومنها : 
1- دراسة أجريت في فلسطين المحتلّة أجراها " روبرت لاجوس " وهي نموذج منظم لاضمحلال اللغة الأولى (( الأم )) وقد أجريت على طفلة عمرها خمس سنوات هاجرت من البرتغال إلى فلسطين المحتلة ، وقد عمل لها قياس كل ثلاث سنوات إذ درست باللغة العبرية ، ووجد في المرحلة الأولى تدهور اللغة البرتغالية ( اللغة الأم ) وضعف أداء الطفلة كما ضعفت القدرة على التعبير ، وفي المرحلة الثانية في السنوات الست التالية ازداد ضعفها ، وقل أداؤها بلغتها الأم وأخيرا في السنوات اللاحقة ( أي مضي تسع سنوات ) ، على التعليم بثنائية اللغة ، أصبحت غير قادرة تماما للتعبير بلغتها الأم (البرتغالية) بل ظهر عندها التلعثم اللغوي والعجز ، ثم انتهت اللغة الأم لتحل محلها اللغة العبرية . 
2- دراسة " شلايبر " لطفلة عمرها ست سنوات هاجرت إلى فلسطين المحتلة من أمريكا تتحدث الإنجليزية بطلاقة ، وفي اختبار لها في المرحلة الأولى تذكرت قواعد الإنجليزية والعبرية ( اللغة الأجنبية ) بعد أن درست موادها باللغة العبرية ، وفي المرحلة الثانية ( ثلاث سنوات أخرى ) بدأ اندثار لغتها الإنجليزية ولم تتذكر من قواعدها إلا الشيء القليل . 
3- وفي المرحلة الثالثة سيطرت اللغة الدخيلة ( العبرية ) على اللغة الأم (الإنجليزية) بل نسيت قواعد اللغة الإنجليزية تماما ، وعجزت عن توليد مفرداتها بل تآكلت الإنجليزية تماما لديها خلال تسع سنوات ، وأضحت غير قادرة على التعبير من خلالها . 
4- وفي دراسة اللغة الألمانية ، أجريت دراسة على زوجين هاجرا من ألمانيا إلى أمريكا ، وتجاوز عمرها خمس وعشرون سنة ، وكان تعاملهما الرسمي باللغة الإنجليزية ( الأجنبية ) وفي البيت يتحدثون الألمانية ( اللغة الأم ) ، وبعد أربعين سنة ، أخضعا لاختبار ، وكشفت الدراسة أن البنية الأساسية للغتهما الألمانية سليمة لم تتأثر لأنهما تعلما الإنجليزية على كبر ، مما يستنتج أن تعلم اللغة ( الأجنبية ) الثانية في المرحلة الثانوية أو الجامعية ليس له تأثير يذكر على اللغة الأم . 
5- وفي الفلبين استخدمت ثنائية اللغة لمدة سبع وثلاثين سنة ثم عادوا لتدريس المواد العلمية بلغتهم الفلبينية الأم بدل الإنجليزية ( الدخيلة ) وكان لهذا القرار التطبيقي آثار إيجابية كبيرة على النهضة بالتعليم ، والتقدم في مجالات علمية متعددة .
 


إحصاءات ووقائع 
ووقف المحاضر عند الكثير من الوقائع التي تثبتها الدراسات من خلال إحصاءات تطبيقية ، ومن ذلك : 
1) تبين من الإحصاءات السابقة أن الأطفال يكتسبون مهارات التفكير الإبداعي ، والمقارنة ، والاستنباط بلغتهم الأم ، وليس بلغة أجنبية . 
2) كما كشفت الدراسات أن التعلم باللغة الأم هو أفضل لتعلم اللغة الأجنبية في مرحلة ما بعد البلوغ ، وأن تعلم اللغة الأجنبية ما قبل البلوغ ، له تأثير سلبي على تعلم اللغتين ، وكثيراً ما يفقد الأبناء مهارات لغتهم الأم . 
3) نشأ عن تعلم اللغة الأجنبية في الطفولة احتقار للغة الأم ، واحتقار للذات ، وتشتيت للهوية الوطنية والدينية . 
4) وفي استبانة على مجموعة من الآباء تبين أن 85% من الآباء أجابوا بتأثير الخط العربي وتراجعه نتيجة لتعلم أبنائهم الأطفال لغة أجنبية ، وأجاب 80% بتأثر اللغة العربية سلبيا لدى أبنائهم ، وهناك 73% أجابوا بأن أبناءهم ما عادوا يستطيعون التعبير باللغة العربية . 
توصيـــات 
ومن التوصيات التي يراها المحاضر لمعالجة آثار تعليم المواد بلغة أجنبية إلى جانب لغتهم العربية ما يأتي : 
1- إجراء دراسات ميدانية على تأثير ثنائية اللغة من النواحي الاجتماعية ، والاقتصادية ، واللغوية ، وغيرها ... 
2- إجراء أبحاث تربوية ميدانية لتأثير التعلم بلغة أجنبية . 
3- التركيز على تعلم اللغة الأم ( العربية ) في الروضة والمرحلة الابتدائية . 
4- نشر الوعي بأهمية اللغة العربية للتواصل الاجتماعي والحضاري والعلمي . 
5- نشر الوعي التربوي في الوزارات والمؤسسات التربوية بدور اللغة العربية ، وكشف الدعوات الخادعة والمزيفة بضرورة التعلم باللغة الأجنبية لمواكبة الحضارة الحديثة كما يزعمون . 
6- ويكفينا أخيرا قول الثعالبي : " من أحب الله أحب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ، ومن أحب الرسول أحب العربية ، ومن أحب العربية أحب القرآن الكريم وأحب الدين ، لأن العربية لغة الدين ، وشرف الله لغتنا من فوق سبع سماوات لأنه أنزل بهذه اللغة القرآن الكريم الذي هو معجزة حتى تقوم الساعة . 
الحـــوارات 
    وفي ختام اللقاء أثيرت العديد من المداخلات والحوارات أجاب عنها الدكتور إبراهيم الحارثي ، ومنها : 
تحدث الدكتور يحيى أبو الخير الذي قال : سعدت كثيراً بهذه المحاضرة فهي دراسة موضوعية من شتى النواحي .... والحق أننا إذا نزعنا من الإنسان لغته ، نزعت منه ذاته وهويته ، إن تعليم أبنائنا بلغة أخرى غير لغتهم العربية هو إفساد في الأرض ، وسبحان الله اللغة العبرية لغة ميتة ، واليهود يحيونها بالتعليم الإلزامي والجامعي بهذه اللغة . فأين نحن من ذلك بالنسبة للغتنا العظيمة ؟! 
وتساءل الدكتور محمود عمار ..... ما مدى صحة هذه الدراسات وعلميتها .... وهل كل ما سمعناه موضوعي أم انتقائي ؟! 
أما الأستاذ فيصل الحجي فأشار إلى غنى هذه المحاضرة بالبحث العلمي ، وقال : نحن نعق لغتنا العربية ونشعر بالنقص أمام الأجانب ، وفي مدارس الرواد علمنا اللغة الفصحى للفصول الأولية بكل سهولة ، ومشكلتنا هي انتشار العامية ، وقال الأستاذ عبدالله المرشد : علينا القيام بدراسات ميدانية على واقعنا التعليمي ، وعلى تأثير ذلك على مجتمعنا ! ، 
وسأل الدكتور إبراهيم الشتوي : ما اللغة الأم ؟ أهي العامية أم الفصحى ؟! . 
وتحدث الأديب الدكتور عبدالقدوس أبو صالح قائلاً : إن الموضوع مهم جداً ، وأنا أشكر المحاضر عل كثرة أمثلته ، وأشار إلى حفيدتين من حفيداته لا تستطيع الواحدة منهما أن تكتب باللغة العربية لأنهما تعلمتا بعض موادهما الدراسية بغير العربية بعكس أختيهما اللتين تعلمتا العربية . 
وإقرار غير العربية لتعلم مواد الدراسة هو شعور بالنقص يعتري الأمة لأن هذا يحدث لضعفنا ، ولو كنا أقوياء ما كان لهذا أن يتم ، وأذكر أن الدكتور عبدالله الدّنان يركز على تعلم اللغة الفصحى في الروضة والابتدائية ، ونجحت تجربته في سوريا وفي عدة دول ، وقال الأستاذ محمد الزعبي : لقد درست الإنجليزية في الأردن في الابتدائية ، ولم نلحظ تأثيرها على العربية ، وأعني إلى جانب العربية كمادة من المواد ، ولم تدرس بالإنجليزية مواد أخرى . 
وقال الأستاذ محمد الأنصاري : كنت في نيجيريا ، ودرست لغة الهوسا ، وعرفتها أكثر من أهلها ، ولكن عندما أتيت إلى المملكة قبل أكثر من عقدين أجدت اللغة العربية ، وأنسيت الهوسا ، ولا أدري سبب ذلك . 
وزف الأستاذ صالح بن عبدالعزيز التويجري المشرف العام على مدارس الرشد البشرى للإخوة بنجاح اللغة العربية لدى أبنائنا الصغار ، وقال : لقد طبقنا تجربة الدكتور عبدالله الدّنان في تعليم الفصحى بالفطرة على القسم الابتدائي ، ونجحت نجاحاً باهراً في مدارس الرشد الأهلية ، ولكنني سقيتها بدمي ولحمي .... حتى أصبح الأول الابتدائي يتحدثون اللغة العربية الفصحى بكل طلاقة .
وأثنى الدكتور عائض الردادي على المحاضرة التي اتسمت بالموضوعية والمنهجية ، وقال : الحق أن عندنا هزيمة ثقافية أمام الحضارات غير العربية وغير الإسلامية . نحن نحتاج إلى قرار سياسي للتخلص من ثنائية اللغة ، وأفضل تجربة لتطبيق اللغة العربية في التعليم في سوريا . 
وتحدث الشيخ محمد بافضل عن إعجابه بالمحاضرة ، وشكره للمحاضر وعميد الندوة الشيخ أحمد باجنيد ، وأشار إلى قول الإمام الشافعي " إن تعلم اللغة العربية من الدين " . 
وقال عليكم أيها الإخوة تعلم العربية والدفاع عنها فهي من دينكم ، وقرآنكم ، وسنة نبيكم ، وللأسف هناك إخوان ابتلوا بالافتتان باللغات الأجنبية ، ونحن نريد التأصيل للغتنا العربية الفصحى ، ونريد توصيلها لأبنائنا جميعا ، ودعا للمملكة ، والأهل ، وجميع الحضور .
 
       وأخيراً ختم الشيخ أحمد باجنيد شاكراً المحاضر ، وجميع الإخوة لتواصلهم مؤكداً على ضرورة الحرص على هذه اللقاءات في ندوة ( الوفاء ) التي هي ندوتهم . 

التصنيفات