أمسية شعرية

أمسية شعرية
أمسية شعرية

في ندوة (الوفاء الثقافية) :
أمسية شعرية للأديب حسين محمد باجنيد
الرّياض : محمد شلال الحناحنة

أقامت ندوة (الـوفـاء) الثقافية الأسبوعيّة في الرياض أمسية شعرية أحياها الأديب السعودي حسين محمد باجنيد وذلك مساء الأربعاء 17/1/1435هـ ، وقد أدارها الروائي الدكتور عبدالله بن صالح العريني الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وقد حضرها كوكبة من المثقفين والإعلامين ومحبي الشعر والأدب .
ديوان : ( صهوة خيال ) قراءات ووقفات
بدأ اللقاء بعد حمد الله والصلاة والسلام على سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم بقراءة لديوان ( صهوة خيال ) للشاعر الضيف الأستاذ حسين محمد باجنيد ، وقد كتبت الدّارسة الناقدة خالدة بنت أحمد عبدالله باجنيد وألقاها الأستاذ حسين أحمد باجنيد ، وجاء فيها ؟ ( هذه المقدِّمة الصغيرة السريعة ما هي إلاّ خواطر قارئ يقف على عتبة ديوان شاعر ، ديوان جاء إلينا بحلة بنفسجيّة توحي بالسكون والهدوء ، وتبعث لنا إحساساً دافئاً يقول لنا : ( بين أيديكم تجربة عُمُر ) مجموعة شعرية كتبت على امتداد سنوات عاشها الشاعر، فأثرته مواقفها ، وأحداثها ، فراح يحاكيها بلغة شفافة غنية ، تضفي عليها جمالاً وفلسفة ورؤى ،أفتعجب بعد ذلك إذا ما قال متعجباً ،

وقد استنكر أحدهم عليه قول الشاعر : 
قالواتقول الشعر قلت سلوهما       
الحاديان.. سعادتي وشقائي 
قالوا : وما تعني ؟ فقلت مشاعري 
برئي الذي لا تبصروه ورائي 
الشعر في صدري حنين دائم
 وحصار يوم كريهتي وهنائي
ويهدي الشاعر ديوانه : "لكل مّن يحمل معاني الحب والجمال والخير والعطاء " وهذا الإهداء يرسم لنا خطوط الطريق الذي سنسير عليه ، وهذا الطريق الذي سيمضي بنا إلى صفحات يدرك فيها الشاعر تمام الإدراك أنَّ الكلمة أمانة ، والإبداع أمانة أيضاً ، والشعر السامي هو الذي يؤدي حقّ الأمانتين ، فلا يبخس إحداهما لأجل الأخرى ، فهما كجناحي الطائر لا يطير إلاّ بهما ) .
 

نبــــض الأمـــومـــــة

أثنى الشاعر على عميد الندوة الشيخ أحمد باجنيد ، وعلى أبنائه البّارين ، وعلى الحضور في تواصلهم مع ندوة (الـوفـاء) والثقافة والأدب والفكر الأصيل ، وبدأ أمسيته شادياً قصيـدة ( أمّـي):
عقلي وقلبي وتفكيري وإحساسي 
إليك تسبقني يا أطيب النّاس
ناديتُ باسمك يا أمّاه في ولَهٍ
هوى تردّد في نبضي و أنفاسي
صببتِ في أذني أخلاق أمّتنا 
كما يصب نمير الماء في الكاس
تيهي بقلبي يا أمّاه واحتكمي
فأنت عندي فوق العين والرّاس

ويقطف شاعرنا حسين محمد باجنيد باقة من الحكمة المفعمة بالرؤى السامية ، رؤى للحياة ، والدنيا الفانية ، من خلال بساطة في التعبير ، ولغة قريبة إلى النفس فيقول في قصيـدته : ( احبـس لسـانك ) :
في كُلّ يوم نستضيئ بشمسـه         يــوم يقـربّنــا مــن الميــعاد
وأخو الجهالة من يقــول لنفسـه        إنـي حـديث الـعهد بالميـلاد
فالمــوت إنْ يـومـاً أطــلّ بـرأســه     سيحيد عنّي إنْ رأى أجدادي 
وإذا بــه يـومـاً يســاق لــرمسـه      وإذا بصوت في الفلاة ينـادي
احبسْ لسانك واجتهد في حبسه       فلربّما نكبـو بغــير جـــواد

القـــدس الجــريحــة
ولم تغب عن شاعرنا المبدع حسين باجنيد في ديوانه : "صهوة خيال" صورة الأقصى الجريح في القدس السليبة منذ أكثر من أربعين سنة ، فقد مضى الصهاينة اليهود يغتّالون بهاءها ويعبثون فساداً في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين الأمّة الإسلامية مِمّا يحدث للمسجد الأقصى المبارك ؟! ومتى نشعل جذوة الجيل الذي يحرّرها ؟! ومتى نصحو من سباتنا ...؟! وأين  مجد الأمّة وأبطالها عنها ؟!
 هكذا يشدو شاعرنا للقدس في قصيدته ( القـدس ):
أيقظ العين بريق من سناهـا
وصحا القلب على جمر لظاها
ومضى صهيون يغتال بهاهــا
يمــــلأ الأرض مـــن دمــاهــا
إيه يا مسـرى رسـول الله طــه
بلغت نكسة قومي منتهاهــا
أمتي يا قدس قد طال  كراها
نسيت عــزّاً بـه المـولى حباها
ورغم هذا الأسى ، وهذا الجرح الغائر ، إلاّ أنَّ الأمّة ستصحو لتأخذ دورها ، وتحقق مجدها التليد إذْ يقول :
لن ينال القدس كيدٌ من عداها
إنَّ للّه جنـــــوداً فـــي سمــــاها
ربّما الصـــوت إلينا يتنـــــاهـى
فتكن صحـــوتنا رجع صداها
بالحـب نــزرع الأمـــل

ويجعل شاعرنا مفتاح القلوب والنفوس ، ونبض الحياة هو الحبّ ، وليس غيره ، فبالحب يزرع الأمل ، فهو زاده إذا تكدّرت الدنيا ، وهو مداده ، وصفحاته المضيئة وكتابه ، وربيع شبابه مع أنهدخل في الكهولة ، وهو يمضي إلى أسلوب التشخيص ومزج الصور الحسيّة بالصور المعنوية عبر لغة راقية ، وتعبير عفوي يدخل إلى القلوب في قصيدته : ( بالحب نزرع الأمل ): 
طـــرق البــاب قلتُ : مـن بالباب
قال طيف من الأمــاني العـــذاب
يحمـل البِشْـرَ فــي سنــاه ويرنو
للقـــــاء الأحبـــاب والأصحــاب
قد ملكت القلوب يا صاح فاسمُ 
بندى الحب فـوق هــام السحــاب
صيرتني الأيــام كهــلاً ولـكن
أنا بـالحـب فــي ربيــع شبـــابـي
هــــــو زادي إذا تـكــــــدر زادٌ
ومـــدادي وصفحــتي وكتـابي
هـو حلــم الكـلام طـوع لساني
ولـذيذ المنـــام فـــي أهـدابـــــي
هــو حصنــي إذا رمتنـي الليالي
بالــرزايــا مـن كُلّ ظفـر ونـاب
إنْ رمتنــي الأيّـام بالظلــم يـوماً
فمـن الحـب قـدْ مـلأت جرابـــي

بعـــض الـرّجـــــال
ويفتح الشاعر حسين محمد باجنيد نافذة على الهموم الاجتماعية ، وهو لم يغادر الواقع الذي نعيش ، هموم اجتماعية قديمة جديدة , وهو التفريق بين البنين والبنات ، إذْ يغضب بعض الأزواج إنْ أنجبت امرأته البنات ، وكأنّها هي التي تخلق المولود وليس الله ربّ العالمين الذي يقدّر ، ويهب لمن يشاء الإناث ، ولمن يشاء الذكور .!! هكذا يبدو بعض الجهلة من النّاس غاضبين حانقين ، يقول شاعرنا في قصيدته :  ( بعض الرجال ) متحسراً متّألّماً لما آلت إليه أحوال  هؤلاء هداهم الله :
أرغى و أزيد حانقاً إذْ جاءه الخبر اليقين
أم البنات تمخضت رحماك ربّ العالمِــــــــــــــــــين
جاءت بما كانت تأتي به على مّر الســــــــــــــــنين
فمضى يكيل لها السباب وكان يفعل كُلّ حين
أأظلّ أرزق بالبنات وأنت تـــــــــــرزق بالبـــــــنين ؟
فسألته رفقاً به ورجوته أنْ يستــــــــــــــــكـــين
أوليس بذرتك التي أهــــــــــــــدت لها هذا الجنــين ؟!
وهل حصاد الأرض إلاّ من بذور الحـــــــــــــارثيــــن؟
ومتى تثوب إلى الرشاد وللحقيقة تستبــــــــــــــين ؟
إنْ كنت تزهد في البنات فهن من يلد البـــــــــــــــنين
وهن فاطمة التي نشأت على نهج الأمـــــــــــــــــــــــين
وهن خولة  والبتول وأمهات المؤمــــــــــــــــــــــــــــنين
نـــــــــــداء إلـــــــى أمّتــــــــــي

ويستنهض الشاعر أمجاد الأمّة ، ويستدعي تاريخ الماضي الحافل بالانتصارات والنهوض ليكون زاداً للحاضر ، وكيف لا ؟! والأمّة الإسلاميّة هي خير أمّة أخرجت للنّاس بنصّ كتاب الله ، وهدي الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم ، ولذلك يوقظ فينا هذا الحسّ الإسلامي متفائلاً بغدها المشرق بإذن الله رغم الفرقة فيقول :
قوموا إلى غدكم من ذلّ حاضركم    وأيقظوا العزم من أسفار ماضيكم
واستلهموا من صلاح الدين عزّته   واسترجعوا نهضة كانت بأيديكم
فأنتــم خيــر خلــــق الله قـــاطبة     وفيكم خير خلق الله هاديكم
يكفيكم فرقة في كل حادثة          وغربة عن هدى الرّحمن يكفيكم
 


أصـــد اء اللقـــــــاء
وفي ختام اللقاء  كان لهذه الأمسية الشعرية للشاعر حسين محمد باجنيد الصدى الواسع في نفوس الحضور ، فتحدّث الأستاذ حمد الصغير الذي شكر عميد الندوة على دعوته للضيف الشاعر وأثنى كذلك على الشاعر ، وتمنّى ألاّ يتوقف ، لما في شعره من واقع مميّز في أذواق الحضور . وتساءَل أحد الإخوة بحس شاعري نقدي قائلاً : هذا الشعر الوارف بالحكمة ، هذا الشعر الزاخر بالسخرية ... هذا الدفء الذي تقبض عليه أو يقبض عليك .. متى يؤانسك أو متى تؤانسه ؟! لِمَ كان شعرك فضاء أوجاعنا ؟! ولِمَ كان لغتنا السرّية التي نهرب من خلالها من الجرح للجرح ؟! شاعرنا حسين باجنيد أين تجد نفسك في ظلّ هذا الأسى ... ماذا عن صحوة القلم؟ لم تشعل فينا هذه الأشجان ، وتسلمنا من شجن إلى شجن ... أيّ وجدانية هذه التي جعلتنا نحلّق معك ؟! وأبدى المحامي محمد العنزي إعجابه بقصائد ( صحوة قلم ، والأم ، وثلاثة أبي العلاء) ، وشكر الدكتور يحي أبو الخير عميد الندوة وأبناءه الذين جمعونا بهذا الشاعر المميز ، وقال : لأسرة باجنيد حضور ومقام كريم في هذه البلاد ، فهي أسرة مباركة ، وأضاف لقد استطاع شاعرنا انتقاء موضوعات حيّة من الواقع تعبّر عن المثل والقيم والأخلاق ، واستطاع أنْ يمزج  بين الوجدان والواقع مع عنايته بالخيال المجنّح ، واللغة المعبّرة البسيطة .
وقال الأستاذ سعد العليان : لقد امتعنا شاعرنا هذه الليلة ولقصائده التي ألقاها من ذاكرته وقع خاص ، وليته يلقي لنا قصيدته عن
 ( مصر والجزائر) بعد أحداث تلك المباراة بينهما . وأشاد الأديب الناقد الدكتور عبدالله العريني بقراءة الأستاذة الناقدة خالدة باجنيد لديوان (صهوة خيال ) وقال: هي قراءة رائعة ، كما كان سعيداً بهذا الاجتماع من الجمهور على هذه الشاعرية ، واستطاع الشاعر أنْ يجعل من الموضوعات المألوفة شيئاً جديداً ، وقد اعتني بعنصر الخيال الذي لا يمكن أنْ يكون الشعر شعراً إلاّ به ، كما استطاع استدعاء التاريخ والقيم والمثل ووظفهــا توظيفاً سهلاً ، كما أنْ قافيته مطمئنة وليست قلقة مما يجعل الكثيرين يشاركونهُ ، ويتفاعلون معه .
أمّا الأستاذ جابر النقيب فقال : لقد حمّل الشاعر نفسه همومنا كُلّها ونسي نفسه ، وشاب وهو في عزّ شبابه ، فاظفر أيها الشاعر بنفسك ساعة وساعة ولا تنسَ همومك  الخاصّة .
وشكر الأستاذ علي الباشا الشاعر على جمال قصائده فقد أشعل الأحاسيس كما قال ... فما أروع رسالته وقصيدته لأبي العلاء المعرّي  .
تمت بحمد الله

التصنيفات